خصائص الثقافة هي:
• إنسانية أي خاصة بالإنسان فالإنسان هو المخلوق الوحيد القادر على بناء ثقافة خاصة به.
• مكتسبة: أي الثقافة سلوك يتعلمه الأفراد وينقلونه من جيل إلى جيل,فالإنسان لا يبدأ ثقافته من العدم, وإنما يبنيها من النقطة التي انتهت إليها الأجيال السابقة.
• قابلة للانتقال: الإنسان وحده هو القادر على نقل ما تعلمه إلى الأجيال المعاصرة واللاحقة سواء في مجتمعه أو في غيره من المجتمعات.
• اجتماعية: تمتاز الثقافة بأنها عادات اجتماعية مشتركة بين أفراد جماعة معينة أو مجتمع معين وهي بذلك تضمن نوعاً من التوافق والوحدة بين الأفراد.
• مشبعة لحاجات الإنسان: فالثقافة تشبع حاجات الفرد البيولوجية والنفسية وقصور الثقافة عن إشباع هذه الحاجات يؤدي إلى انحلالها والقضاء عليها ومن واجب المنهج أن يلبي هذه الحاجات ويعمل على إشباعها.
• متطورة ومتغيرة: تمتاز الثقافة بأنها في نمو مستمر وتغير دائم,سواء في عمومياتها أو خصوصياتها نتيجة للبدائل التي تدخلها ولا سيما إذا أثبتت هذه البدائل قدرتها على إشباع حاجات الأفراد.
• متكاملة: وتعني وجود قدر من التكامل والانسجام بين عناصر الثقافة المختلفة بحيث إذا انعدم هذا التكامل سبب اضطراباً للفرد وفقد المجتمع تماسكه ومن واجب المنهج أن يكون متكاملاً في محتواه وعناصره حتى يحقق تكامل الثقافة.
فوظيفة المدرسة يجب أن تشمل التعريف بالتراث الثقافي للمجتمع وبالخبرات التربوية التي تدور حول المشكلات التي تواجه الطلاب في حياتهم.
ثالثاً: الأسس النفسية للمنهج
هي المبادئ النفسية التي توصل إليها دراسات وبحوث علم النفس حول طبيعة المتعلم وخصائص نموه وحاجاته وميوله وقدراته واستعداداته وحول طبيعة التعلم التي يجب مراعاتها عند وضع المنهج وتنفيذه.
ومن المعروف أن محور العملية التربوية هو الطالب الذي تهدف إلى تنميته وتربيته عن طريق تغيير وتعديل سلوكه, ووظيفة المنهج هي إحداث هذا التغيير في السلوك يقول علماء النفس التربوي: أن السلوك هو محصلة عاملين هما الوراثة والبيئة, ومن تفاعل الوراثة وما ينتج عنها من نمو مع البيئة ومع ما ينتح عنها من تعلم يحدث السلوك الذي نرغب فيه في الطالب المتعلم.لذلك لا بد من مراعاة أسس النمو ومراحله عند موضع المنهاج.
تفصيل علاقة المنهج بكل من:
أولاً: طبيعة الطالب المتعلم.
ثانياً: طبيعة عميلة التعلم.
أولاً – علاقة المنهج بطبيعة المتعلم:
معرفة طبيعة الإنسان المتعلم أمر أساسي في وضع المنهج وتنفيذه لأن المتعلم هو محور العملية التعليمية ,وإن تقديم أي خبرات تعليمية له دون معرفة مسبقة بخصائصه وحاجاته وميوله ومشكلاته تؤدي إلى الفشل في بلوغ الأهداف التي يرمي إليها المنهج.
ومن أهم النظريات التي تحدثت عن الطبيعة الإنسانية ما يلي:
1. النظرية الثنائية للطبيعة الإنسانية: وتعود هذه النظرية إلى المفكرين اليونانيين الذين قالوا أن الطبيعة الإنسانية تنقسم إلى جسم وعقل, وترى أن المعرفة النظرية التي يحصل عليها العقل عن طريق التأمل والتذكر أسمى من المعرفة التي تتم عن طريق تفاعل الإنسان مع البيئة التي يعيش فيها. وقد ترتب على هذه النظرية اهتمام المدرسة بالنواحي النظرية العقلية دون اهتمامها بالنواحي الجسمية وما تتطلبه من نشاط وعمل.غير أن التربية الحديثة أثبتت خطأ هذه النظرية واعتبرت الإنسان وحدة متكاملة مما يعني عدم جواز الفصل بين نموه العقلي والاجتماعي والعاطفي.
2. نظرية الاختزان العقلي: الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء كمخزن أو وعاء وأن واجب المدرسة يتمثل في ملئه بالتراث والخبرات الإنسانية المتنوعة وهذه النظرية ترى أن المتعلم ليس إلا نجرد مستقبل للمادة الدراسية التي يقدمها المعلم باعتباره مسؤولاً عن ملء عقل المتعلم بالتراث الثقافي سواء أكان مفيداً للتلميذ أو غير مفيد.
ولكن علم النفس أثبت خطأ هذه النظرية, وأكد أن الإنسان يولد ولديه استعدادات تنمو عن طريق تفاعله مع البيئة, وأنه لا يتعلم إلا إذا كان عاملاً فعالاً وليس مجرد مستقبل لما يقدم له من معرفة, كما أنه لا يتعلم إلا ما يعتقد انه مفيد لحياته.
3. نظرية التدريب العقلي: سيطرت هذه النظرية على الفكر التربوي عدة قرون وترى أن عقل الإنسان يتألف من مجموعة من الملكات تستقل كل منها عن الأخرى مثل ملكة التفكير والذاكرة وغيرها وأن هذه الملكات تدرب بالمواد الدراسية التي تناسبها ولذلك نظمت المناهج المدرسية على أساس اشتمالها على المواد اللازمة لتدريب هذه الملكات فالتاريخ يدرب ملكة الذاكرة,والعلوم تدرب ملكة التحليل غير إن علم النفس اثبت خطأ هذه النظرية نظراً لصعوبة الفصل بين الجسم والعقل حيث أن كلاً منهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه.
4. نظرية الغرائز: تقول هذه النظرية أن الطبيعة الإنسانية تسيطر عليها غريزة واحدة أو مجموعة غرائز ولكن الأبحاث النفسية أثبتت أن طبيعة الإنسان متغيرة متطورة تسعى دائماً إلى تكييف نفسها حسب الظروف وأنها قادرة على التحسن والتقدم.
المنهج ونمو المتعلمين:
يعرف النمو بأنه مجموع التغيرات التي تحدث في جوانب شخصية الإنسان الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والتي تظهر من خلالها إمكانيات الإنسان واستعداداته الكامنة على شكل قدرات أو مهارات أو خصائص. ودور التربية تقديم المساعدة لكل فرد لينمو وفق قدراته واستعداداته نمواً موجهاً نحو ما يرجوه المجتمع وما يهدف إليه, ويهتم المربون بشكل عام ومخططو المهج بشكل خاص بما توصلت إليه الأبحاث حول سيكولوجية نمو الفرد من أجل مراعاة خصائص النمو في المراحل التعليمية المختلفة.
ويتأثر نمو الأفراد بعدد من العوامل التي قد تزيد من سرعته أو تقلل منه أو تعوقه ومن أهم هذه العوامل النضج والتعلم إضافة إلى عوامل أخرى كالوارثة ولإفرازات الغدد ولا سيما الغدد الصماء ونوع التغذية ومقدارها والظروف الصحية والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان, ونوع انفعالاته وقوتها, وقد أظهرت الأبحاث النفسية أن النضج والتعلم يمثلان عاملين متكاملين يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به, فمن واجب المنهج أن يأخذ بعين الاعتبار نضج المتعلم ونموه, وأن يكون متطوراً نامياً باستمرار حتى يواكب استمرار نمو الإنسان ونضجه في المراحل العمرية المتعاقبة.
مبادئ وأسس النمو:
أظهرت الدراسات النفسية أن هناك مبادئ وأسساً عامة للنمو ينبغي أن تراعى في وضع المنهج وهي تتمثل فيما يلي:
1. النمو يتأثر بالبيئة: عملية النمو لا تتم من تلقاء نفسها, وإنما تتوقف على ظروف البيئة التي يعيش فيها الإنسان سواء أكانت بيئة طبيعية أو اجتماعية فالبيئة الصالحة تساعد على النمو السليم في حين أن البيئة الفاسدة تعيقه.
2. النمو يشمل جميع نواحي شخصية الإنسان: يجب أن يهتم المنهج بجميع جوانب النمو في شخصية التلميذ باعتبارها أجزاء متكاملة بدلاً من العناية بجانب واحد على حساب الجوانب الأخرى.
3. النمو عملية مستمرة: ينمو الإنسان نمواً تدريجياً متصلاً فالتغيرات التي تحدث للفرد في حاضره لها جذورها في ماضيه وهي تؤثر بدورها فيما يحدث له من تغيرات في مستقبله ومنم واجب المنهج في ضوء ذلك أن يقدم خبرات مترابطة ومتدرجة تستند على خبرات التلاميذ السابقة وتؤدي إلى اكتساب خبرات أخرى في المستقبل فعلى سبيل المثال لا يجوز أن ينتقل المنهج بالطفل من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الإعدادية انتقالاً مفاجئاً غير متدرج.
4. النمو عملية فردية: مبدأ الفروق الفروق الفردية موجود بين التلاميذ في مظاهر النمو المختلفة ولهذا فان من واجب المنهج أن يراعي هذه الفروق بين التلاميذ كما يلي:
• أن ينوع المنهج من أنشطته حتى يجد كل تلميذ النشاط الملائم له.
• أن يوفر خبرات مرنة تتيح لكل تلميذ أن ينمو وفقاً لظروفه الخاصة.
• أن ينوع من طرق التدريس وأساليبه بحيث تناسب استعدادات التلاميذ وقدراتهم.
• أن يتيح أمام التلاميذ فرصاً أكبر للنجاح لأنه شيء أدعى للنجاح من النجاح نفسه.
• أن يوفر توجيهاً دراسياً ومهنياً ونفسياً لكل تلميذ في ضوء استعداداته وميوله وظروفه الخاصة.
إن الاهتمام بمراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ ليس معناه عدم وجود خصائص مشتركة بينهم في كل مرحلة من مراحل نموهم فالواقع أن هناك قدراً كبيراً من النواحي المشتركة بين الأطفال في كل مرحلة, وهو الذي يمكننا من وضع الخطط والمستويات العامة والتدريس إليهم كجماعات.
5. يتأثر النمو بالمواقف الاجتماعية التي يعيشها الفرد: تتكون البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد من عوامل لا حصر لها ومن بينها المطالب التي يفرضها على الفرد والداه واخوته وزملاؤه ومدرسوه والجماعات يضعون معايير للتعلم والتكيف والنمو ينبغي إن يصل إليها التلميذ حتى يستمتع بوجوده في الجماعة الاجتماعية التي يعد جزءاً منها وهي ما تسمى بمطالب النمو.
أهمية دراسة مطالب النمو:
1ـ أنها توضح أنواع المشكلات التي يحاول المتعلم حلها بمساعدة المدرسة أو بدونها.
2ـ أنها تبين المجالات التي يجب أن يحقق فيها المتعلم كفاءة ليعيش بنجاح في المجتمع الحديث.
3ـ أنها دليل هام لتتابع الأنشطة المدرسية وتقديم الخبرات التي تلائم مراحل النمو المختلفة.
ثانياً: علاقة المنهج بطبيعة التعلم
الهدف من العملية التربوية ووسائلها المختلفة هو تعديل السلوك الإنساني في ضوء أهداف معينة ويستلزم هذا التعديل تعلماً ويعرف بأنه النشاط العقلي الذي يمارس فيه الفرد نوعاً معيناً من الخبرة الجديدة التي لم يسبق أن مر بها. كما يعرف بأنه تغيير أو تعديل في سلوك الكائن الحي الناتج عن قيامه بإشباع حاجة من الحاجات.
ومن نتائج عملية التعلم ما يحصله الفرد من معلومات أو مهارة أو طريقة تفكير أو اتجاه أو قيمة اجتماعية ونستدل على حدوث التعلم من خلال ما نلاحظه من تغير في سلوك الفرد نتيجة لخضوعه لموقف تعليمي معين, فالتعلم لا يمكن ملاحظته مباشرة وإنما نستدل عليه من خلال ما يظهر على السلوك من تغير أما التعلم فهو العملية التي من خلالها نساعد الفرد على اكتساب الخبرات الصالحة بأبسط طريقة ممكنة.
نجد أن مفهوم التعلم قد تطور تطوراً كبيراً إلا أنه يمكن أن يميز بين ثلاثة مفاهيم للتعلم هي:
1. التعلم كتحصيل للمعرفة والمهارات وهذا مفهوم ضيق للتعلم لا يتلائم مع المجتمع.
2. التعلم كتدريب عقلي وهذا المفهوم يجعل العقل سالباً فهو يقبل الأفكار ولا يبتدعها.
3. التعلم كتغير في السلوك نتيجة تفاعل الفرد مع البيئة التي يعيش فيها وهو المفهوم الصحيح للتعلم.
أسس التعلم وانعكاساتها عل المنهج:
تتمثل المبادئ التي ينبغي مراعاتها في تخطيط المنهج بما يلي:
1. يتعلم التلاميذ بشكل أفضل إذا كان العلم ملائماً لمستوى نضجهم: ينبغي عند وضع المنهج دراسة مستوى نضج التلاميذ بحيث لا يثقل عليهم في موضوعاته أو مجالات نشاطه.
2. يكون التعلم أكثر كفاية حين يرتبط بأغراض وواقع التلميذ: وتنفيذاً لهذا الأساس يجب على المنهج أن يدرس رغبات التلاميذ وحاجاتهم وميولهم ويعمل على تلبيتها حتى يكون لما يتعلمونه معنى وقيمة لديهم.
3. النمو والتعلم عمليتان مستمرتان: ينمو التلاميذ ويتعلمون قبل دخولهم المدرسة, ويستمرون في تعلمهم خارجها بعد دخولهم فيها فمن واجب المنهج أن يربط بين ما يتعلمه التلاميذ في المدرسة وبين ما سبق لهم أن تعلموه قبل دخولهم فيها,وعليه أن يربط بين حياتهم خارج المدرسة وداخلها بحيث تكون الخبرات التي يشتغل عليها مرتبطة ومتكاملة مما يحقق استمرار النمو والتعلم في آن واحد.
4. يختلف كل تلميذ عن الآخر في سرعة تعلمه: هناك فروقاً فردية بين التلاميذ, فمن ناحية المنهاج يجب توفير خبرات تناسب المستويات المختلفة للتلاميذ,كما أن عليها أن تعيد النظر في نظام الامتحانات وطرق التدريس بما يتلاءم مع تباين التلاميذ واختلافهم في التعلم.
5. يتعلم التلميذ عدة أشياء في آن واحد: من واجب المنهج أن ينمي أشياء عديدة في التلميذ في الموقف التعليمي الواحد وهذا المبدأ يأخذ به أصحاب نظرية الجشتالت ويراعونه في المنهج, وهو ما يميزهم عن أصحاب النظرية السلوكية.
6. يتعلم التلميذ بطريقة أفضل نتيجة الخبرات المتصلة بالحياة: أفضل المواقف التعليمية هي التي يشترك فيها التلاميذ مباشرة تحت إشراف مدرسهم ولا سيما أسلوب حل المشكلات وهذا الأسلوب يعد أحدث نظرية في التعلم وتبدأ المشكلة عندما ترتبط رغبة شديدة أو حاجة ملحة يريد الإنسان الوصول إليه.
فالمنهج الناجح هو الذي يثير دافعيه التلاميذ لتحقيق أهدافهم وينمي فيهم أسلوب حل المشكلات وعلى هذا المنهج أن يشتمل على خبرات ترتبط بحياة التلاميذ وبمشكلاتهم الحقيقية التي يواجهونها.
7. انتقال أثر التعلم: يتم انتقال أثر التعلم عندما توجد علاقة بين تعلمنا السابق وبين المواقف الجديدة التي تواجهنا ومن أبرز النظريات التي تناولت انتقال أثر التعلم ما يلي:
• نظرية العناصر المشتركة: وترى إن انتقال أثر التعلم يحدث نتيجة وجود عناصر مشتركة بين ما تعلمناه وبين المواقف الجديدة التي نريد تعلمها.
• نظرية التعميم: وترى أن انتقال اثر التعلم يحدث عندما يعمم المتعلم خبرته السابقة ويطبقها في مواقف جديدة.
• نظرية الجشتالت: وترى أن انتقال أثر التعلم يحدث حينما يدرك المتعلم الموقف ككل وليس كأجزاء متفرقة.
• التمرين: التمرين هام في تعلم المهارات الجسمية وهو وحده لا يكفي إذ يجب أن ينبع التعلم من خبرات ذات هدف ومعنى بالنسبة للمتعلم وتقل الحاجة إلى التمرين كلما رافق التعلم خبرة مباشرة ومن المبادئ الهامة التي يجب مراعاتها في التمرين ما يلي:
• تقل الحاجة إلى التمرين كلما رافق التعلم خبرة مباشرة كالتجارب والعمل بالورش أو المعامل.
• يجب أن يدرك المتعلم الهدف من التمرين.
• التمرين الموزع أكثر فائدة من التمرين المتصل.
• ضرورة ربط الجزئيات بالكل الذي ينتمي إليه وضرورة التدرب على الكل قبل التدرب على جزئياته.
• ضرورة الترابط والتكامل بين طبيعة عمل التعلم وخصائصها وبين أبعادها المتمثلة في الطالب المتعلم باعتباره محور عملية التعلم والمنهج باعتباره يمثل الخبرات التي تقدم للمتعلم والمعلم باعتباره الشخص الذي يوصل بأسلوبه الخبرات إلى المتعلم.
رابعاً: الأسس المعرفية للمنهج
الذكاء من المميزات الأساسية للإنسان والمعرفة هي نتاج هذا الذكاء ولما كانت المعرفة أساسية في النمو الإنساني حيث لا ينمو بدونها فقد اعتبرت أحد أهداف التربية الرئيسية كما اعتبرت أساساً هاماً من الأسس التي يجب أن يراعيها المنهج الدراسي.
فواضع المنهج لا بد أن يسأل نفسه الأسئلة التالية:
• ما طبيعة المعرفة التي يجب أن يشتمل عليها المنهج ؟
• ما مصادر الحصول عليها ؟
• كيف يمكن للمنهج أن يحققها؟
• ما هي أنواع المعارف التي لها قيمة تعليمية وتسهم في تحقيق الأهداف العامة للتربية التي يعمل المنهج على تحقيقها ؟
المنهج وطبيعة المعرفة:
تتوقف طريقة التعلم والتعليم ومحتواها إلى درجة كبيرة على ما يفهمه الفرد من ماهية المعرفة ومن التعريفات التي ذكرت للمعرفة: أنها مجموعة المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التي تتكون لدى الإنسان نتيجة لمحاولاته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به وتتفاوت في طبيعتها فهي:
1. معرفة مباشرة وغير مباشرة: عندما نقول عن إنسان أنه يعرف أن المعادن تتمدد بالحرارة فإن ذلك يعني أن معرفته تمت عن خبرة مباشرة أي عن علم ودراية,أما عندما نقول عن إنسان آخر أنه يعرف عن تمدد المعادن بالحرارة فإن معرفته هذه تمت بواسطة وسائل أو طرق غير مباشرة مثل الكتاب المدرسي أو غيره أي أن معرفته وصفية.ومن واجب المنهج أن يهتم بالمعارف المباشرة دون أن يهمل المعارف الغير مباشرة فالمنهج الواقعي يجب أن يتضمن كلا النوعين من المعرفة ويهتم بهما.
2. المعرفة ذاتية وموضوعية: المعرفة هي نوع من العلاقة بين الإنسان العارف والشيء المعروف وأن نوع المعرفة هو الذي يعكس طبيعة العارف والمعروف وقد اختلف فلاسفة نظرية المعرفة حول ما إذا كانت المعرفة ذاتية أم موضوعية فمنهم من قال أن المعرفة ذاتية ومنهم من قال إنها موضوعية والبعض الآخر قال إنها ذاتية وموضوعية وهو القول الأرجح فالمعرفة نسبية حتى في العلوم الطبيعية أي لا توجد هناك معرفة مطلقة.
المنهج ومصادر المعرفة:
1. الحواس: هي مرشد أساسي نحو الحقيقة والمعرفة التي تتم عن طريق الحواس هي معرفة أصيلة لأن منافذ المعرفة على العالم الخارجي هي حواس الإنسان.فمن واجب المنهج وواضعه الاهتمام بحواس التلاميذ واستخدامها نظراً لوجود علاقة طردية بين كثيرة استخدامها في الحصول على المعرفة وبين زيادة سهولة المعرفة ومن واجبه أيضاً الإكثار من استخدام الوسائل الحسية المعنية التي تساعد التلاميذ على تحقيق تعلم نافع لهم.
2. العقل: وهو مصدر ثان من مصادر المعرفة ويقصد به عملية التفكير التي يقوم بها الإنسان وترتبط عملية التفكير ارتباطاً بالإدراك الحسي لأن محتوى إدراك الإنسان يتوقف على العمليات العقلية مثل التوقعات والذاكرة.ومن واجب المنهج والمعلم الاهتمام بالتفكير العقلي للتلاميذ والاهتمام بتوجيه مدركاتهم الحسية عن طريق الفهم العقلي.
3. الحدس: ليس نوعاً من الإدراك الحسي فالمعرفة التي تتم عن طريق الحدس هي معرفة ذاتية مباشرة ولا تأتي نتيجة تفكير منتظم فالحدس شكل من أشكال التعلم الذاتي لأن التعلم يحدث مباشرة من الداخل دون وسيط. فعلى المربين أن ينظروا إلى الحدس كمصدر للمعرفة له تأثيره في طريقة تدريسهم ومن واجب المنهج تشجيع التعلم الذاتي عند التلاميذ وتنميته بالوسائل المناسبة.
4. التقاليد: وهي ما خلفه السلف من الآباء والأجداد من تراث ثقافي كاللغة والدين والأخلاق وهذه المعرفة التي خلفها لنا الآباء والأجداد يتم استقبالها عن طريق العقل والحواس معا ًفالتقاليد بشكل خاص هي مصدر معرفة السلوك والأخلاق. ومن المسائل التربوية التي يدور حولها الجدل والنقاش مسألة ما يعطي من قيمة للمعرفة التقليدية وموقف المدرسة منها فالبعض يؤكد أن عمل المدرسة الأساسي هو نقل التراث الثقافي باعتباره المعرفة اللازمة للتلاميذ في حين يرفض البعض الآخر التقاليد ويعتبرها معرفة غير نافعة على أساس أن المعرفة النافعة في رأيهم هي التي تكون أصيلة نابعة من مصادر أولية وليست متوارثة عن السابقين. فمن واجب المنهج يتمثل في التنسيق بين المعرفة التقليدية والمعرفة الأصلية على أن تستخدم المعرفة الأصلية لتأكيد المعرفة التقليدية ومنحها الحيوية اللازمة وتستخدم المعرفة التقليدية كأساس لمساعدة وإنماء المعرفة الأصلية الضرورية.
5. الوجود ويقصد بالوجود الخبرة الذاتية والعمل التي تتحقق بواسطتهما المعرفة عند الإنسان ومن واجب المنهج أن يهتم بالخبرات الذاتية للتلاميذ وبتوفير فرص التعلم بشكل مناسب وواسع لهم.
6. الوحي والإلهام: وتتم عن طريق وحي الله سبحانه وتعالى إلى أشخاص مختارين هم الأنبياء والرسل فالإلهام يعد هبة خاصة من الله لمن يشاء من عباده.
وهذه المعرفة لا نستطيع أن ننميها في المناهج وإنما نأخذها كما هي دون أي تدخل فيها ويكتفي بتفسيرها وبيان مقاصدها فمن واجب المنهج أن يعد التلاميذ للعمل بالمعرفة الملهمة من عند الله واحترامها واستقبالها يشكل طاعة وقدسية.
لا بد للمنهج أن يهتم بالمعرفة الحسية ,والمعرفة العقلية,والمعرفة التقليدية,والمعرفة الوجودية أو العملية ,والمعرفة الملهمة بشكل يؤكد وحدة المعرفة وتكاملها.
المنهج وخصائص المجال المعرفي:
لكل مجال خاصيتان أساسيتان هما:
• حصيلة من المعلومات
• طريقة متخصصة في البحث واكتساب المعرفة.
وحصيلة المعلومات في أي مجال معرفي تقسم إلى أربعة مستويات هي:
1- الحقائق النوعية:
وهي حقائق جزئية صغيرة تتطلب عمليات ومهارات محددة مثل قولنا أن بيروت عاصمة لبنان فمثل هذه الحقيقة هي على أبسط مستويات التجريد.والحقائق النوعية تعد معرفة ميته, وأن إتقانها لا يؤدي إلى أفكار جديدة ومن واجب المنهج أن يختار التفاصيل التي يدرسها التلاميذ بعناية وأن يربط بينها على نحو يساعد على تفسيرها في إطار الأفكار التي تخدمها.
2- الأفكار الأساسية أو الرئيسية:
تمثل الأفكار والمبادئ والقوانين بنية المادة الدراسية ومن أمثلتها القوانين الطبيعية والمبادئ الرياضية, ومن واجب المنهاج أن يجعل هذه الأفكار محور اهتمامه بحيث يتعلمها كل تلميذ في المستويات التعليمية المختلفة.
3- المفاهيم:
هي أنساق معقدة من أفكار مجردة تتكون من خلال خبرات أو مواد دراسية متتابعة مثل مفهوم الديمقراطية والتغير الاجتماعي ومفهوم الفئة في الرياضيات والعينة في الإحصاءات أو في مناهج البحث.
والمنهج يتألف من مفاهيم متدرجة يتلقاها التلاميذ في صفوفهم المختلفة على التوالي بحيث ينمو المفهوم شيئاً فشيئاً وما يصل التلميذ إلى مرحلة دراسية متقدمة حتى يزداد المفهوم تعمقاً وتجريداً.
4- الأنساق الفكرية أو التركيب:
تمثل المواد الدراسية أنظمة فكرية تتكون من مفاهيم توجه طريق التفكير فهي تحدد الأسئلة التي تطرح وأنواع الإجابة التي تبحث عنها والطرق التي نستخدمها للوصول إلى المعرفة, ومن واجب المنهج أن يبني بشكل يؤدي فيه التعلم إلى التفكير المنظم عند التلاميذ, وعليه أن يؤكد على التنسيق بين المحتوى الدراسي وطريقة التدريس على نحو يؤدي إلى تنمية الأنساق الفكرية عند الدارسين.
المنهج وحقول المعرفة:
تتمثل حقول المعرفة في الأمور التالية:
1. العلوم الرمزية وتشمل:
• اللغات وهي وسائل رمزية تحمل معان مفهومة يتفق الناس عليها.
• الرياضيات وهي أرقام تحمل معان ذات دلالة.
• الفنون التعبيرية التي تعبر عن الأشياء بمعان متفق عليها.
• واجب المنهج أن يمثل هذه العلوم بلغة سليمة ورياضيات صحيحة وفنون تعبيرية حتى يتسنى للتلاميذ الاستفادة منها معنى وهدفاً.
2. العلوم التذوقية وتشمل الموسيقى والفنون التوضيحية والأدب والشعر.
3. العلوم الأخلاقية وهي تتعلق بالقيم الأخلاقية التي تحدد معارف الناس وسلوكهم في الحياة.
4. العلوم التجريبية وتشمل العلوم الفيزيائية والكيميائية والحيوانية والنباتية والعلوم الإنسانية.
5. العلوم الجامعة وتشمل الدين والفلسفة والتاريخ وهذه العلوم تعتمد في طرائقها على العلوم الأخرى وإن كان لكل علم منها طريقة تتحدد بحسب طبيعته فالتاريخ مثلاً له بعد خاص يرتبط بحوادث معينة ووظيفته تحليل الحوادث وتفسيرها من خلال تعاونه مع العلوم الأخرى.
أما الدين فهو قمة المعرفة الأساسية للبشر وله مصدران الوحي والعقل المدرك للأشياء التي خلقها الله تعالى والتي تقودنا إلى إدراك عظمة الخالق سبحانه وتعالى والإيمان به.
ومن واجب المنهج أن يشمل هذه العلوم ويحقق الترابط والتكامل فبما بينها على نحو يؤدي إلى وحدة المعرفة التي تقدم للتلاميذ.
الخاتمة
إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان وجعله على الأرض ,وهو يتعلم من تجاربه في حياته يعيش الصراع مع نفسه تارةً ومع الطبيعة تارةً أخرى فهو يقوم بتهذيب نفسه ويطوع موارد الطبيعة لكي يحافظ على بقائه وحياته وفي كل هذه الحالات فهو يتعلم ويعلم أبنائه على كيفية التعامل مع الطبيعة التي يعيش فيها , فعليه أن يأكل ويلبس ويتقي شر البرد والحر ويوفر لنفسه وعائلته الأمان , الإنسان عليه أن يجرب حتى يتعلم,يجرب ويكرر أحياناً حتى يصل في النهاية إلى الشيء الذي يريده.
فكما نعلم أن التعليم في المجتمعات البدائية كان بالتلقين وبتقليد الصغار للكبار يتعلم الأولاد ما يقوم به الكبار ويحافظون على العادات والتقاليد وأنماط الثقافة الموجودة عند آبائهم وأجدادهم
ولكن عندما تقدمت المجتمعات وكبرت وضمت أعداد كبيرة من البشر أصبحت أنماطهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم كبيرة لا يمكن أن يتم الاحتفاظ بها كما في المجتمعات السابقة فظهرت الحاجة للمدارس أو لمؤسسات تقوم بمهمة نقل التراث الثقافي للأولاد وحتى يتم المحافظة عليه من الزوال, ولقد أرتبط وجود المدارس أو المؤسسات المعنية بمهمة تعليم الأبناء بوجود الحكومات وكان ذلك عندما استوطن الناس على ضفاف الأنهار كدجلة والفرات والنيل وظهور الحضارات,كما في حضارة وادي الرافدين, وحضارة وادي النيل, والحضارة اليونانية, والحضارة الرومانية.
إذ تعد هذه الحضارات من أكثر حضارات العالم قدماً وأسهمت بشكل فاعل في تطور التربية وازدهار التعليم القديم والذي امتدت جذوره إلى العصر الحديث وما الحديث المعاصر إلا نتيجة لتراكم الخبرات بما سجله الإنسان في التاريخ ليتطور على نحو حديث وعصري.
فالتعليم ونقل الخبرات هذه كان يتم عبر المنهج الذي يتم تدريسه للأبناء من أجل الهدف الذي يسعون له وهو نقل الخبرات للأبناء والحفاظ على التراث وإعداد الأبناء للحياة.
فنحن نعرف أن كل سلوك هادف ورائه فكرة تحركه فالتربية يحركها الفكر التربوي والتربية عمادها المنهج.
فعندما يكون المنهج متطوراً ومنفتحاً ومتمشياً مع ما يتطلبه العصر من تغير في إعداد شخصية الأولاد كلما كان هذا المنهج عملياً وعقلانياً , ويؤدي بالضرورة إلى رقي المجتمع ووضعه في مصاف المجتمعات المتقدمة التي لا تستطيع بلادنا العربية الوصول إلى مستواها, فالتاريخ مليئ بالأحداث التي تؤكد هذا الكلام حيث أن ألمانيا عندما هزمت على يد نابليون لم تجد غير المعلم والطالب وسيلة للنهوض من هزيمتها وعندما انتصرت قال بسمارك لقد انتصر المعلم الألماني ,وهذه اليابان أيضاً عندما هزتها أمريكا بالقنبلتين الذريتين فلقد وجدت مخرجها من أزمتها المعلم والتلميذ والتركيز على نوعية التعليم حتى أصبحت من كبرى الدول الصناعية فالتاريخ ملىء بالتجارب التي تستحق منا وقفةً عندها علنا نضع أقدامنا على أول الطريق الصحيح الذي نبدأ من خلاله بنهضة صحيحة فهذه النهضة لا تأتي من فراغ بل من فكر صحيح يوجهها وهذا الفكر لا يأتي إلا بتربية صحيحة وهذه التربية الصحيحة تعتمد على أساس قوي يوجهها ويدعمها ألا وهو المنهج الذي يعتبر العهود الفقري للتربية.
الجميع في الوطن العربي يتكلم عن الإصلاح والتصحيح والتغيير والنهضة ولكن للأسف الشديد لا يوجد على أرض الواقع أي تغير ملموس يبشر بالخير أو يعطي أمل بإمكانية الارتقاء بهذه الأمة إلى مصاف الأمم المتطورة أو العودة بها إلى أمجادها,فهذه الأمة (أمة اقرأ) التي خصها الله سبحانه وتعالى بهذه الميزة فكانت أول كلمة في رسالتنا السماوية(اقرأ)
ونحن الآن أبعد الناس عن القراءة.
فالتعليم لا يعني فقط كما يعتقد عدد غير قليل من الناس هو قراءة المنهاج أو تدريسه فالمعلم يجب أن يربط بين ما يعلمه لتلاميذه في غرفة الصف نظرياً وبين التطبيق العملي في المجتمع الخارجي أو البيئة التي يعيش فيها التلميذ حتى لا يشعر بالفصل بين ما يتعلمه وبين ما يعيشه على أرض الواقع.
فالمعلم هو العنصر الأساسي في تطوير المنهج فيجب إعداده بالطريقة المناسبة للتمشي مع المفهوم الحديث للمنهج, وهذا يعود للجامعات والكليات التي تختص بإعداد المعلمين الذين يتعاملون مع التلاميذ في مراحل حياتهم المختلفة والذين لهم الدور الأكبر في التأثير على هؤلاء التلاميذ ,وبالتأكيد سنلحظ التغير على مستوى المجتمع بأكمله عندما نعد أطفال أو طلاب إعداداً كاملاً لشخصياتهم مع المحافظة على القيم والعادات والتقاليد الجيدة التي هي من واقع ديننا ومناسباً لواقعهم ومتمشياً مع متطلبات التطور والتقدم ومتمشياً مع تحدي التكنولوجيا ومتطلبات العصر الموجودة في العلم من حولنا ,كل هذه الأمور يجب إن يحتويها المنهاج ويركز عليها علنا نخرج بنتيجة إيجابية ترضي طموحنا كأمة كانت في الماضي لها القيادة والريادة.
المراجع:
المنهاج التربوي بين الأصالة والمعاصرة (د.اسحق أحمد فرحان,د.احمد بلقيس, د.توفيق مرعي).
• المنهج بين النظرية والتطبيق (دكتور راتب عاشور).
• المنهاج التربوية المعاصرة (دكتور مروان أبو حويح).
• المناهج (دكتور حلمي أحمد الوكيل, دكتور محمد أمين المفتي).
• فلسفة المنهج الدراسي (د. زينب حسن الشمري, د.عصام حسن الدليمي).